عقيدة أهل السنة والجماعة للعلامة ابن عثيمين
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الله تعالى أرسل رسوله محمداً بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين، وقدوة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، بين به وبما أنزل عليه من الكتاب والحكمة كل ما فيه صلاح العباد واستقامة أحوالهم في دينهم ودنياهم، من العقائد الصحيحة و الأعمال القويمة والأخلاق الفاضلة والآداب العالية، فترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فسار على ذلك أمته الذين استجابو لله ورسوله، وهم خيرة الخلق من الصحابة والتابعين والذين اتبعوهم بإحسان، فقاموا بشريعته وتمسكوا بسنته، وعضوا عليها بالنواجذ عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً، فصاروا هم الطائفة الذين لا يزالون على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك.
ونحن - ولله الحمد - على آثارهم سائرون، وبسيرتهم المؤيدة بالكتاب والسنة مهتدون، نقول ذلك تحدثاً بنعمة الله تعالى، وبياناً لما يجب أن يكون عليه كل مؤمن، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإخواننا المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
ولأهمية هذا الموضوع وتفرق أهواء الخلق فيه، أحببت أن أكتب على سبيل الاختصار عقيدتنا - عقيدة أهل السنة و الجماعة - وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، سائلا الله تعالى أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه موفقاً لمرضاته نافعاً لعباده.
عقيدتنا
عقيدتنا الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فنؤمن بربوبية الله تعالى، أي بأنه الرب الخالق المالك المدبر لجميع الأمور. ونؤمن بألوهية الله تعالى، أي بأنه الإله الحق وكل معبود سواه باطل. ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأنه له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا. ونؤمن بوحدانيته في ذلك، أي بأنه لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته. قال تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65].
ونؤمن بأنه اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255].
ونؤمن بأنه هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24].
ونؤمن بأن له ملك السموات والأرض لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:50،49].
ونؤمن بأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الشورى:12،11].
ونؤمن بأنه وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [هود:6].
ونؤمن بأنه وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59].
ونؤمن بـأن الله عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34].
صفة الكلام
ونؤمن بأن الله يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164]، وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143]، وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً [مريم:52].
ونؤمن بأنه لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي [الكهف:109]، وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:27].
ونؤمن بأن كلماته أتم الكلمات صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام وحسناً في الحديث، قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً [الأنعام:115]، وقال: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً [النساء:87].
ونؤمن بأن القران الكريم كلام الله تعالى، تكلم به حقا، وألقاه على جبريل، فنزل به جبريل على قلب النبي قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:102]، وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء:192- 195].
العلو
ونؤمن بأن الله عز وجل عليّ على خلقه بذاته وصفاته، لقوله تعالى: وهو العلي العظيم [البقرة:255]، وقوله: وهو القاهر فوق عباده [الأنعام:18].
ونؤمن بأنه خلق السموت في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر [يونس:3]، واستواؤه على العرش علوه عليه علوا خاصاً يليق بجلاله وعظمته لا يعلم كيفيته إلا هو.
ونؤمن بأنه تعالى مع خلقه وهو على عرشه يعلم أحوالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويبر أمورهم، يرزق الفقير ويجبر الكسير ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ومن كان هذا شأنه كان مع خلقه حقيقة وإن كان على فوقهم على عرشه حقيقة ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى:11].
ولا نقول كما تقول الحلولية من الجهمية وغيرهم: إنه مع خلقه على الأرض. ونرى أن من قال ذلك فهو كافر أو ضال؛ لأنه وصف الله بما لا يليق به من النقائص.
النزول
ونؤمن بما أخبر به عنه رسوله أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: { من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر به }.
ونؤمن بأنه تعالى يأتي يوم المعاد للفصل بين العباد، لقوله تعالى: كلا إذا دكت الأرض دكا دكا، وجاء ربك والملك صفا صفا، وجاء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [الفجر:21-23].
أنواع الإرادة
ونؤمن بأنه تعالى فعال لما يريد [البروج:16].
ونؤمن بأن إرادته نوعان: كونية، يقع بها مراده ولا يلزم أن يكون محبوبا له، وهي التي بمعنى المشيئة، كقوله تعالى: ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد [البقرة:253]، وقوله: إن كان الله يريد أن يغويكم [هود:34]، وشرعية لا يلزم بها وقوع المراد ولا يكون المراد فيها إلا محبوبا له، كقوله تعالى: والله يريد أن يتوب عليكم [النساء:27].
ونؤمن أن مراده الكوني والشرعي تابع لحكمته فكل ما قضاه كونا أو تعبد له خلقه شرعا فإنه لحكمة وعلى وفق الحكمة، سواء علمنا منها ما نعلم أو تقاصرت عقولنا عن ذلك أليس الله بأحكم الحاكمين [التين:8]، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون [المائدة:50].
المحبة
ونؤمن بأن الله تعالى يحب أولياءه وهم يحبونه قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله [آل عمران:31]، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه [المائدة:54]، والله يحب الصابرين [آل عمران:146]، وأقسطوا إن الله يحب المقسطين [الحجرات:9]، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين [البقرة:195].
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى ما شرعه من الأعمال والأقوال، ويكره ما نهى عنه منها إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم [الزمر:7]، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين [التوبة:46].
ونؤمن بأن الله يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه [البينة:8].
ونؤمن بأن الله تعالى يغضب على من يستحق الغضب من الكافرين وغيرهم الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم [الفتح:6]، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم [النحل:106].
ونؤمن بأن لله تعالى وجها موصوفاً بالجلال والإكرام ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن:27].